إن أسلوب التخاطب خلال العمليات الجوية أمر حساس وحيوي ويتطلب الكثير من الدقة في التعبير وفي المضمون لأن استخدام اللغة كوسيلة لتوصيل معلومات مهمة وحساسة ليس الطريق الأفضل لأن اللغة في حد ذاتها تتصف بالتمثيل إذ تصف الجمل أو الكلمات مواقف ومعلومات وحقائق محددة ولنا أن نتصور كيف يمكن استيعاب ذلك بين متحدث ينطق بلغته الأم وبين مستمع يستخدم اللغة التي تعلمها بجانب لغته الأم ومن أجل ذلك كان من الضروري إيجاد قواعد وأنماط محددة ليسهل على غير الناطق باللغة فهمها الصحيح.
إن دلالات الألفاظ في اللغات المتعددة تعتبر حاجزاً وعائقاً للفهم الصحيح لحديث بين أفراد تختلف لغتهم الأم، فليس من المتوقع أن يفهم هؤلاء المستمعون هذا الحديث أو معاني كلماته كما أرادها المتكلم حيث يخضع ذلك إلى الكثير من العوامل ومنها المعرفة وأساليب الخطاب والثقافة والتجارب وغيرها التي يتحلون بها، ومن المهم فهم ذلك جيداً حتى يمكن أن نتعامل مع مشكلة التخاطب وإيجاد الحلول الناجحة لها، فالكلمة أو الجملة في أي لغة تصف أو تشير إلى شيء ما أو معلومة أو موقف ليس واضحاً أو معروفاً أو مشاهداً من المستمع ولهذا أكدت الأبحاث أن الحديث بين أفراد تجمعهم اللغة الأم تبدو موضوعية ومفهومة، وهكذا تبدو بين أطقم قيادة الطائرات وأعضاء مركز المراقبة الجوية المتكلمين باللغة الأم والعكس صحيح.
وفي سياق الحديث فإن أسلوب قائد الطائرة في إدارة الفريق يؤثر بشكل كبير على مستوى التواصل بين أعضاء فريق القيادة من حيث انسيابية ومنطقية الحديث بينهم، وإذا ما كان قائد الطائرة يتصف بالتغطرس والديكتاتورية فإن ذلك سوف يؤثر سلباً على التواصل بين هذا الفريق، أما إذا اتصف بعدم الحزم والتساهل اتسمت الأقوال والأفعال بالغموض وعدم الدقة مما يسمح بتعدد المعاني وهو ما يؤدي إلى المشاكل، لذلك يجب التركيز على إيجاد أفضل الأساليب للتواصل بين أعضاء فريق القيادة لتتحلى بالانضباط والدقة ووجود المنطق، مع ضرورة مراقبة سلوكيات أطقم القيادة وسبل التواصل بينها، حتى يمكن التدخل في الوقت المناسب، ولعل هذا بدوره ينطبق على العاملين في مراكز مراقبة الحركة الجوية، فهناك ضرورة لأن يكون أسلوب التواصل والاتصالات بينهم واضح المعالم ويتسم بالدقة والوضوح.
كذلك يجب أن يكون واضحاً أن هناك عاملاً آخر مهماً سوف يؤثر على الاتصالات اللاسلكية بين قائدي الطائرات والمراقبين الجويين حيث لا يوجد تحديد دقيق لحدود السلطة التي تتغير بتغير المواقف، كذلك من المعروف أن عمل أعضاء فريق ما وخصوصاً في العمليات ومستوى التواصل بينهم سوف يعتمد بشكل كبير على حسن وإيجابية الأسلوب القيادي، فإدارة الفريق الناجحة تتطلب أن يتسم الاتصال والتواصل بين أعضاء هذا الفريق بدقة التوقيت ووضوح في استخدام الجمل والكلمات التي لا تحتمل التأويل والنبرة الواثقة مع عدم استخدام الأفعال الآمرة وبذلك تزداد فعالية ومنطقية التواصل وإيجابيته
وليس من المستغرب أن الاتصالات والتواصل بين قائدي الطائرات والمراقبين الجويين أو حتى بين أعضاء الفريق الواحد سوف تتأثر سلباً إذا ما شاب محيط العمل الإحباط أو الإرهاق الشديد أو ازدياد القلق من أداء بعض الأنظمة أو المعدات وسوء الحالة الجوية أو عدم القدرة على التنبؤ بها، كما أنه من الثابت أن الاتصالات تحت هذه الظروف المتسمة بعدم الوضوح والدقة سوف تؤدي بدورها إلى انهيار أداء فريق العمل أو الاتصال بين قائدي الطائرات ومراكز المراقبة الجوية، وعلينا أن نلاحظ أن محتوى المحادثة من الجمل والكلمات لا يستطيع إيصال المعنى للمستمع لأن اللغة ما هي إلا كلمات وعبارات تمثل حقيقة أو معلومة أو موقفاً يمكن أن يحتمل التأويل أو الفهم المختلف من السامع ومن ثم فإن المتكلم الذي يتحلى بالهدوء والثقة سوف يتحدث بعبارات ونبرة واضحة تؤثر على المستمع بالإيجاب والترجمة الصادقة لما يحدث، أما حديث المتكلم غير الواثق والمنفعل فإنه سيتسم بعدم الوضوح وعرض ما يواجهه وسوف يؤثر ذلك على فهم المستمع للموقف وتقديره
إن الاتصالات الهاتفية عبر اللاسلكي سوف تفقد الكثير من المعنى والدقة إذا لم تتضمن العبارات الحازمة والنبرة القاطعة فالحديث بين الأفراد وجهاً لوجه يعتمد في أغلب الأحوال ليس على الكلمات فقط بل تعززها حركة جسد المتحدث ووجهه فالخبراء يؤكدون أن الحركة تسهم بنسبة 55% في فهم المتلقي أو المستمع، أما الكلمات والعبارات التي تتضمنها المحادثة فتسهم فقط بنسبة 7%، ونبرة الحديث بنسبة 38%، وهكذا سوف نفهم المشاكل التي تحيط بالأحاديث التليفونية عبر اللاسلكي حيث ينعدم تأثير حركة الجسد وإيماءاته لعدم المواجهة والكثير من نبرة المتحدث عبر الأنظمة الإلكترونية.
ومن الجديـر بالذكـر أن قائـد الطائرة سـوف يفهـم جيداً توجيه المراقب الجوي له بإخلاء مدرج الطائرة Clear the runway، فإذا ما أمعنا النظر في هذه الجملة البسيطة الصادرة من المراقب الجوي والمنقولة باللاسلكي وتخيلنا أن هذه الرسالة سمعها سائق كاسحة الثلوج في المطار على جهاز اللاسلكي فسنجد حدوث مسلسل من الأفعال يختلف عن المراد، لذلك حددت المنظمة الدولية للطيران المدني في الملحق العاشر العبارة التي يجب أن يتفوه بها المراقب لتوجيه قائد الطائرة لإخلاء مدرج الطائرة بقوله "Vacate the Runway".
كما أن الميل والتوقع والتنبؤ من المتلقي سوف يؤثر بشكل سلبي من حيث الإضافة أو الحذف أو التشويه لنية وقصد المتكلم، فالكثير من قائدي الطائرات لديهم الميل والتوقع والتنبؤ من خلال تجاربهم في عمليات الاقتراب من المطارات، فإنه بمجرد أن سمح لهم بالهبوط إلى مستوى معين في مسار الطائرة خلال عملية الاقتراب فإنهم سوف يتلقون حالاً التوجيه بالهبوط مع عدم الإدراك بأنه من الممكن أن يكون للمراقب تخطيط آخر أو موقف مستجد.